ملاحظه: هذه القراءة كتبت في قصيدة الزميلة " الخوخه" حوله عبد الحكيم الغرياني ، و نشرت كمداخلة ، ورأيت من الأفضل اعادة نشرها كمادة منفرده للفائدة. فلكم الشكر.
الفلسفة و "الكلفسه"
يكثر "النقد" هذه الأيام ، و كثيراً ما يكون مغايراً لنص القصيدة اوينال من العزم و لو دون جرم ، و العقل الناقد هو القادر على التحليل والتمييز واكتشاف مواطن القوة والضعف . فلا تغره المسلّمات حتى لو سلّم بها أهل القصائد الخالية وأهل العصر . والعقل المفكر هو ذلك الذي يستقرئ عندما يقرأ . يقرأ النص ويضيف هو ما بين السطور وهوامش القيم , و النتائج المستخلصة . يقرأ أحداث القصيدة ويستنبط منها فلسفة المعاني، و ليس "كلفسة" الأماني والعقل الذواق هو ذلك الذي يتوقد فيه الإحساس بالجمال، فيفجر طاقاته الإبداعية
قرأت " الخوخة " بهذه الروحية الرحبة على اتساع ، و بهذا الاسلوب المرن على معرفة ، فكان ان رايت بعضاً من التعبير ما لم نألفه من قبل و ما لم نقرأ مثله لا في المجاز و لا في الايجاز من قبل ( طعم النظر ) ، فهنا اعطت العين ( حاسة التذوق) ، فهل قصدت " استلطاف " او ان رؤية الجمال من جهة تريدها او تودها؟
ثم ببراءة و مراعاة لخاطر الكلمة جاءت لتصور حالة " الخجل" المألوفة عند الفتيات ، و لنقل مأنوسة في لقاءات المغرمين
لمحتك وللخجل هطول
كيف سكبات المطر
ماتصافحنا خفنا يطول
اللقاء بعمر السهر
حواني الخجل والخد
صار ورد يانع نضر
فللخجل "هطول" على الوجه ، و شبهته بهطول المطر لكثرته ، فاذا بالخد يأخذ لون الورد الأحمر النضر من هطول و حلول الخجل عليه ، فكان الابداع صورة ، مشهد يعرفه كل مغروم تعتعه الغرام فترنح..
ثم تدلنا على ارتياحها في "بسمة ثغر" اذ ان مغازلة الروح تمت ان لم يكن بالاسم فهو بالبسم ، و تتدرج بنا فتقول ان " للقلب نظر !! "
و اما " ملامسة الحنين " فجاءت " كلمة البيت" في "بيت القصيد " و لبه ، و لعمري ما كان المعري ليقف احتراماً الا اذا سمع ما قرأت ، و تمنى لو انه لم يفقد البصر ليتمتع بهذا الظريف الأليف من الوليف . .
بسمك يغازل روحي
وارتياحي بسمة ثغر
مثلك لا ، ما ناظر
قليبي في هــ العمر
مثلك لا ، ما لامس
حنيني في البشر
ثم تدلف بنا في المتن الى الحلم و الحقيقة ، و المناجاة و الانتشاء في الرجاء ، فلا تدعنا نمضي الا و معنا ذخائر رهافة الحس على نوع من تورية محبوكة ، ارادتها لتمعن بنا تفكيراً في مضارب الفكر ..
انت حلمي والحقيقة
انت مناجاتي والسمر
بايدي مسكت الورد
والورد منك معتبر
بيرسم مشاعر ندية
ترويها ليالي القدر
و هنا ، استميح "الخوخة" اذ اقول ، ان في المقطع التالي " تلميحاً للطيف ، و كانها تسلمت الهدية التي تلونت بما تشتهي، فكان الطيف هو الباعث و الدافع بين الوسيلة غير الدخيلة ، و العبارات الجميله ، و جعلت من "الطيف " علم . الا انها استعارت النجمة و الهلال للدلالة و الاسترشاد الى اشكال الزهر ، فكانت لبقة الكلمه تحاكي حفيف البيلسان بالبسمات و النسمات، قالت:
منك اجتني أروع هدية
حبي لبلادي بالمختصر
علم حملته ملون فيه
هلال و نجمة سحــر
و قلب تعددت ألوانه
مثل أشكال الزهر
تعود هنا لتمضي بين " الاستطراد و الاسترسال " ، و في محاولة الوصل بين الفقرتين ( منك اجتني) و (بقلبي خبيت) ، لم يكن الوصال مفقوداً في الوصل و هذه براعة تحسب لها ، ففي هذا المقطع عادت لتؤكد ما كانت قد بدات به في القصيدة و ما بعد البدء.. قالت:
بقلبي خبيت الهدية
واسمك سري والجهر
انت وطلتك والهدية
بلسم للخاطر جـبـر
و نأتي الى الخاتمة فهي تبتهل لـ "يسلم الغالي" على شيء من العتاب المحبب (قلبك رهيف ماله حجر) لتؤكد انها تدرك ان "قلبه رهيف" فتصف حنينه اليها كـ ( يهف ع روحي بحنيه / حفت نسايم ع الشجر) ، و اما الاحتواء فهو لزوم ما يلزم في هكذا حالة روحانية ..
تسلم يا غالي علي َّ
قلبك رهيف ماله حجر
يهف ع روحي بحنيه
حفت نسايم ع الشجر
نسايم عبورك تحتويني
كيف الزهر جواته عطر
الخوخه في قصيدتها خاضت في بعض الفلسفة و ابتعدت عن " الكلفسه"
الفلسفة تجعل كل مجهول معلوم
و " الكلفسة " تجعل كل معلوم مجهول ..
صدفة عمر ، هذا شعر المشاعر..